فصل: قال الطبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ}:

.قال الفخر:

في قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} وجهان:
الأول: وهو قول ابن عباس أنه خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه هو الداعي وهو المقصود بالاستجابة واللفظ وإن كان للعموم، لكنا حملناه على الخصوص لهذه القرينة، روي أنه عليه السلام حين دخل المدينة ودعا اليهود إلى كتاب الله وكذبوه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الثاني: وهو قول الحسن أنه خطاب مع الرسول والمؤمنين.
قال القاضي: وهذا أليق بالظاهر لأنه عليه السلام وإن كان الأصل في الدعاء فقد كان في الصحابة من يدعوهم إلى الإيمان ويظهر لهم الدلائل وينبههم عليها، فصح أن يقول تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} ويريد به الرسول ومن هذا حاله من أصحابه وإذا كان ذلك صحيحًا فلا وجه لترك الظاهر. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} هذا استفهام فيه معنى الإنكار، كأنه أيأسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود؛ أي إن كفروا فلهم سابقة في ذلك.
والخطاب لأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجِوار الذي كان بينهم.
وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة؛ عن ابن عباس.
أي لا تحزن على تكذيبهم إياك، وأخبره أنهم من أهل السوء الذين مضوا.
و{أنْ} في موضع نصب، أي في أن يؤمنوا؛ نصب بأن، ولذلك حذفت منه النون.
يقال: طَمِع فيه طَمَعًا وَطَماعِيَة مخفف فهو طَمِعٌ؛ على وزن فَعِل.
وأطمعه فيه غيره.
ويقال في التعجب: طَمُع الرجل بضم الميم أي صار كثير الطمع.
والطمع: رِزق الجُنْد؛ يقال: أمرَ لهم الأمير بأطماعهم؛ أي بأرزاقهم.
وامرأة مِطماع: تُطمِع ولا تُمَكِّن. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَفَتَطْمَعُونَ} الاستفهام للاستبعاد أو للإنكار التوبيخي، والجملة قيل: معطوفة على قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ} [البقرة: 47] أو على مقدر بين الهمزة والفاء عند غير سيبويه، أي تحسبون أن قلوبكم صالحة للإيمان فتطمعون والطمع تعلق النفس بإدراك مطلوب تعلقًا قويًا وهو أشد من الرجاء لا يحدث إلا عن قوة رغبة وشدة إرادة والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والمؤمنين أو للمؤمنين قاله أبو العالية وقتادة، أو للأنصار قاله النقاش والمروي عن ابن عباس ومقاتل أنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، والجمع للتعظيم. اهـ.

.قال الفخر:

المراد بقوله: {أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} هم اليهود الذين كانوا في زمن الرسول عليه السلام لأنهم الذين يصح فيهم الطمع في أن يؤمنوا وخلافه لأن الطمع إنما يصح في المستقبل لا في الواقع. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} أي يصدقوا مستجيبين لكم، فالإيمان بالمعنى اللغوي والتعدية باللام للتضمين كما في قوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 6 2] أو يؤمنوا لأجل دعوتكم لهم فالفعل منزل منزلة اللازم والمراد بالإيمان المعنى الشرعي واللام لام الأجل وعلى التقديرين {أَن يُؤْمِنُواْ} معمول لتطمعون على إسقاط حروف الجر وهو في موضع نصب عند سيبويه، وجر عند الخليل والكسائي، وضمير الغيبة لليهود المعاصرين له صلى الله عليه وسلم لأنهم المطموع في إيمانهم، وقيل: المراد جنس اليهود ليصح جعل طائفة منهم مطموع الإيمان وطائفة محرّفين وفيه ما لا يخفى. اهـ.

.قال الفخر:

ذكروا في سبب الاستبعاد وجوهًا:
أحدها: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم مع أنهم ما آمنوا بموسى عليه السلام، وكان هو السبب في أن الله خلصهم من الذل وفضلهم على الكل، ومع ظهور المعجزات المتوالية على يده وظهور أنواع العذاب على المتمردين.
الثاني: أفتطمعون أن يؤمنوا ويظهروا التصديق ومن علم منهم الحق لم يعترف بذلك، بل غيره وبدله.
الثالث: أفتطمعون أن يؤمن لكم هؤلاء من طريق النظر والاستدلال وكيف وقد كان فريق من أسلافهم يسمعون كلام الله ويعلمون أنه حق ثم يعاندونه. اهـ.
سؤال: لقائل أن يقول: القوم مكلفون بأن يؤمنوا بالله.
فما الفائدة في قوله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} [العنكبوت: 26]؟
الجواب: أنه يكون إقرارًا لهم بما دعوا إليه ولو كان الإيمان لله كما قال تعالى: {فَئَامَنَ لَهُ لُوطٌ} لما أقر بنبوته وبتصديقه، ويجوز أن يراد بذلك أن يؤمنوا لأجلكم ولأجل تشددكم في دعائهم إليه فيكون هذا معنى الإضافة. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ}:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ} فقد اختلفوا في ذلك الفريق، منهم من قال: المراد بالفريق من كان في أيام موسى عليه السلام لأنه تعالى وصف هذا الفريق بأنهم يسمعون كلام الله.
والذين سمعوا كلام الله هم أهل الميقات، ومنهم من قال: بل المراد بالفريق من كان في زمن محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا أقرب لأن الضمير في قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ} راجع إلى ما تقدم وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} وقد بينا أن الذين تعلق الطمع بإيمانهم هم الذين كانوا في زمن محمد عليه الصلاة والسلام.
فإن قيل: الذين سمعوا كلام الله هم الذين حضروا الميقات، قلنا: لا نسلم بل قد يجوز فيمن سمع التوراة أن يقال: إنه سمع كلام الله كما يقال لأحدنا سمع كلام الله إذا قرئ عليه القرآن. اهـ.

.قال القرطبي:

المراد السبعون الذين اختارهم موسى عليه السلام؛ فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره، وحرّفوا القول في إخبارهم لقومهم.
هذا قول الربيع وابن إسحاق؛ وفي هذا القول ضعف.
ومن قال: إن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ، وأذهب بفضيلة موسى واختصاصه بالتكليم.
وقد قال السُّدِّي وغيره: لم يطيقوا سماعه، واختلطت أذهانهم ورغِبوا أن يكون موسى يسمع ويعيده لهم؛ فلما فرغوا وخرجوا بدّلت طائفة منهم ما سمعت من كلام الله على لسان نبيهم موسى عليه السلام؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله} [التوبة: 6] فإن قيل: فقد روى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس أن قوم موسى سألوا موسى أن يسأل ربه أن يسمعهم كلامه، فسمعوا صوتًا كصوت الشَّبُّور: «إني أنا الله لا إله إلا أنا الحيّ القيوم أخرجتكم من مصر بيد رفيعة وذراع شديدة».
قلت: هذا حديث باطل لا يصح، رواه ابن مَرْوان عن الكلبيّ وكلاهما ضعيف لا يحتج به، وإنما الكلام شيء خُصّ به موسى من بين جميع ولد آدم؛ فإن كان كلّم قومه أيضًا حتى أسمعهم كلامه فما فَضْلُ موسى عليهم؛ وقد قال وقوله الحق: {إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأعراف: 144] وهذا واضح.
الثالثة: واختلف الناس بماذا عرف موسى كلام الله ولم يكن سمع قبل ذلك خطابه؛ فمنهم من قال: إنه سمع كلامًا ليس بحروف وأصوات، وليس فيه تقطيع ولا نفس؛ فحينئذ علم أن ذلك ليس هو كلام البشر وإنما هو كلام رب العالمين.
وقال آخرون: إنه لمّا سمع كلامًا لا من جهة، وكلامُ البشر يُسمع من جهة من الجهات الستّ؛ علم أنه ليس من كلام البشر.
وقيل: إنه صار جسده كله مسامع حتى سمع بها ذلك الكلام؛ فعلم أنه كلام الله.
وقيل فيه: إن المعجزة دلّت على أن ما سمعه هو كلام الله؛ وذلك أنه قيل له: ألق عصاك، فألقاها فصارت ثعبانًا؛ فكان ذلك علامة له على صدق الحال، وأن الذي يقول له: {إني أَنَاْ رَبُّكَ} [طه: 12] هو الله جلّ وعز.
وقيل: إنه قد كان أضمر في نفسه شيئًا لا يقف عليه إلا علام الغيوب، فأخبره الله تعالى في خطابه بذلك الضمير؛ فعلم أن الذي يخاطبه هو الله جل وعز.
وسيأتي في سورة القصص بيان معنى قوله تعالى: {نُودِيَ مِن شَاطِئ الوادي الأيمن فِي البقعة المباركة مِنَ الشجرة} [القصص: 30] إن شاء الله تعالى. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى التأويلين اللذين ذكرت بالآية، وأشبههما بما دل عليه ظاهر التلاوة، ما قاله الربيع بن أنس، والذي حكاه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم: من أن الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل، سماع موسى إياه منه، ثم حرف ذلك وبدل، من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه. وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله عز وجل، استعظاما من الله لما كانوا يأتون من البهتان، بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان، وإيذانا منه تعالى ذكره عبادَه المؤمنين، قطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحق والنور والهدى، فقال لهم: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرونهم- بالذي تخبرونهم من الأنباء عن الله عز وجل- عن غيب لم يشاهدوه ولم ييعاينوه وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه وأمره ونهيه، ثم يبدله ويحرفه ويجحده، فهؤلاء الذين بين أظهركم من بقايا نسلهم، أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق، وهم لا يسمعونه من الله، وإنما يسمعونه منكم- وأقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ويبدلوه، وهم به عالمون، فيجحدوه ويكذبوا- من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه، ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف.
ولو كان تأويل الآية على ما قاله الذين زعموا أنه عني بقوله: {يسمعون كلام الله}، يسمعون التوراة، لم يكن لذكر قوله: {يسمعون كلام الله} معنى مفهوم. لأن ذلك قد سمعه المحرف منهم وغير المحرف، فخصوص المحرف منهم بأنه كان يسمع كلام الله- إن كان التأويل على ما قاله الذين ذكرنا قولهم- دون غيرهم ممن كان يسمع ذلك سماعهم لا معنى له.
فإن ظن ظان أنه إنما صلح أن يقال ذلك لقوله: {يحرفونه}، فقد أغفل وجه الصواب في ذلك. وذلك أن ذلك لو كان كذلك لقيل: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. ولكنه جل ثناؤه أخبر عن خاص من اليهود، كانوا أعطوا- من مباشرتهم سماعَ كلام الله- ما لم يعطه أحد غير الأنبياء والرسل، ثم بدلوا وحرفوا ما سمعوا من ذلك. فلذلك وصفهم بما وصفهم به، للخصوص الذي كان خص به هؤلاء الفريق الذي ذكرهم في كتابه تعالى ذكره. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُم يَسْمَعُون كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} في ذلك قولان:
أحدهما: أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حرامًا والحرام حلالًا ابتاعًا لأهوائهم وإعانة لراشيهم وهذا قول مجاهد والسدي.
والثاني: أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق.
وفي كلام الله الذي يسمعونه قولان:
أحدهما: أنها التوراة التي عَلِمَها علماء اليهود.
والثاني: الوحي الذي كانوا يسمعونه كما تسمعه الأنبياء.
وفي قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلَوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وجهان:
أحدهما: من بعد ما سمعوه، وهم يعلمون أنهم يحرفونه.
والثاني: من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون، ما في تحريفه من العقاب. اهـ.

.قال الثعالبي:

قلْتُ: وعن ابن إسحاق؛ أن المراد بالفريقِ هنا طائفةٌ من السبعين الذين سمعوا كلامَ اللَّه مع موسى. انتهى من مختصر الطبريِّ؛ وهذا يحتاج إلى سند صحيح. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ}:

.قال الفخر:

قال القفال: التحريف التغيير والتبديل وأصله من الانحراف عن الشيء والتحريف عنه، قال تعالى: {إِلاَّ مُتَحَرّفًا لّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزًا إلى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] والتحريف هو إمالة الشيء عن حقه، يقال: قلم محرف إذا كان رأسه قط مائلًا غير مستقيم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ} أي طائفة من أسلافهم وهم الأحبار {يَسْمَعُونَ كلام الله ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ} أي يسمعون التوراة ويؤولونها تأويلًا فاسدًا حسب أغراضهم، وإلى ذلك ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والجمهور على أن تحريفها بتبديل كلام من تلقائهم كما فعلوا ذلك في نعته صلى الله عليه وسلم فإنه روي أن من صفاته فيها أنه أبيض ربعة فغيروه بأسمر طويل وغيروا آية الرجم بالتسخيم وتسويد الوجه كما في البخاري وقيل: المراد بكلام الله تعالى ما سمعوه على الطور، فيكون المراد من الفريق طائفة من أولئك السبعين، وقد روى الكلبي أنهم سألوا موسى عليه السلام أن يسمعهم كلامه تعالى، فقال لهم: اغتسلوا والبسوا الثياب النظيفة ففعلوا فأسمعهم الله تعالى كلامه، ثم قالوا: سمعنا يقول في آخره: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا.
والتحريف على هذا الزيادة.
ثم لا يخفى أن فيما افتروا شاهدًا على فساده حيث علقوا الأمر بالاستطاعة والنهي بالمشيئة وهما لا يتقابلان وكأنهم أرادوا بالأمر غير الموجب على معنى افعلوا إن شئتم وإن شئتم فلا تفعلوا كذا أفاده العلامة ومقصوده بيان منشأ تحريفهم الفاسد، فلا ينافي كون عدم التقابل شاهدًا على فساده، ومقتضى هذه الرواية أن هؤلاء سمعوا كلامه تعالى بلا واسطة كما سمعه موسى عليه السلام، والمصحح أنهم لم يسمعوا بغير واسطة، وأن ذلك مخصوص به عليه السلام، وقيل: المراد به الوحي المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم، كان جماعة من اليهود يسمعونه فيحرفونه قصدًا أن يدخلوا في الدين ما ليس منه، ويحصل التضاد في أحكامه {ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 2 3] وقرأ الأعمش {كلام الله}.
{مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} أي ضبطوه وفهموه ولم يشتبه عليهم صحته و{مَا} مصدرية أي من بعد عقلهم إياه، والضمير في {عَقَلُوهُ} عائد على كلام الله، وقيل: {مَا} موصولة والضمير عائد عليها وهو بعيد.
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} متعلق العلم محذوف، أي إنهم مبطلون كاذبون، أو ما في تحريفه من العقاب، وفي ذلك كمال مذمتهم، وبهذا التقرير يندفع توهم تكرار ما ذكر بعد ما عقلوه وحاصل الآية استبعاد الطمع في أن يقع من هؤلاء السفلة إيمان، وقد كان أحبارهم ومقدموهم على هذه الحالة الشنعاء، ولا شك أن هؤلاء أسوأ خلقًا وأقل تمييزًا من أسلافهم أو استبعادًا لطمع في إيمان هؤلاء الكفرة المحرفين، وأسلافهم الذين كانوا زمن نبيهم فعلوا ذلك فلهم فيه سابقة، وبهذا يندفع ما عسى أن يختلج في الصدر من أنه كيف يلزم من إقدام بعضهم على التحريف حصول اليأس من إيمان باقيهم. اهـ.